ورقة بحثية " دور الرئيس جلال الطالباني في تعزيز حقوق الإنسان " في الملتقى الوطني الأول للذكرى السادسة لرحيل الرئيس جلال طالباني

2024-03-27

دور الرئيس جلال الطالباني في تعزيز حقوق الإنسان*

المقدمة
لعب الرئيس العراقي الراحل (جلال الطالباني) دورا مهما وكبيرا في تعزيز مبادئ وقيم حقوق الانسان في جمهورية العراق بعد تغيير النظام السياسي في البلد في عام 2003م، وقد اضطلع بهذا الدور نتيجة لعوامل ثقافية وسياسية واجتماعية جعلت ملف حقوق الانسان من الملفات المهمة في مسيرته الرئاسية وحاول من خلالها تقديم نموذج فريد عن احترام وتعزيز حقوق الانسان.
ونستعرض في ورقتنا البحثية محطات من مواقف الرئيس (جلال الطالباني) تجاه حقوق الانسان ولاسيما الحق في الحياة مستعرضين ابرز مواقفه فيما يخص الغاء عقوبة الاعدام ومااثارته تلك المواقف من مواقف دولية و مشاكل (قانونية ، سياسية ،اجتماعية) بين السلطات والقوى السياسية والاجتماعية العراقية.
كما سيتم التطرق الى مضامين حقوق الانسان في خطابات ولقاءات الرئيس جلال الطالباني والبيانات الرسمية.

المطلب الاول
موقف الرئيس جلال الطالباني من الاعدام
بعد تغيير النظام السياسي في العراق كانت المطالبات الشعبية والسياسية المحلية تتجه الى محاكمة اعضاء النظام السياسي العراقي ماقبل عام 2003 لما هو ثابت عليهم من جرائم ضد الانسانية.
وبعد ان قامت الحكومة العراقية بتشكيل المحكمة الجنائية العراقية العليا[1] ، والتي اتخذت على عاتقها محاكمة اعضاء النظام السياسي ممن ثبت تورطهم في استباحة الدم العراقي.
زادت تلك المطالبات بضرورة احالة المتهمين الى تلك المحكمة لينالوا جزائهم العادل بعد ان حرموا ضحاياهم قبل عام 2003م من محاكمة عادلة.
اولاً:- الدور الدستوري لرئيس الجمهورية في المصادقة على عقوبة الاعدام
يعد رئيس الجمهورية والذي يعد حسب المادة(67)  من الدستورالعراقي النافذ لعام 2005م هو رئيس الدولة ورمز الوطن يمثل ســيادة البلاد ويســهر على ضــمان الالتزام بالدســتور[2].
و يتمتع رئيس الجمهورية بصــلاحيات واختصــاصــات عديدة نصت عليها المادة(73) من الدستور ومن ضمنها منها المصادقة على أحكام الاعدام[3].
 ويعد موضوع امتناع رئيس الجمهورية عن مصادقة احكام الاعدام من الموضوعات التي اثارت الراي العام العراقي والاقليمي والدولي في حينها.
فامتناع رئيس الجمهورية عن المصادقة على احكام الاعدام ، يعد موقفا يتعارض مع احترام القانون وهيبة أحكام القضاء ويعد اخلالا بالواجبات الدستورية التي تقع على عاتق رئيس الجمهورية[4] .
وللامتناع عن مصادقة احكام الاعدام اثارا كبيرة ، فعدم المصادقة على احكام الاعدام يؤدي الى انتفاء الغاية من العقوبة وهي تحقيق العدالة وتحقيق الردع الخاص والعام ، ويؤدي الى زيادة ارتكاب الجرائم الارهابية وعدم تنفيذ احكام الاعدام يؤدي الى الاضرار بالمصلحة العامة للمجتمع[5] .

ثانيا: دور الرئيس (جلال الطالباني) في المصادقة على احكام الاعدام
قدم الرئيس (جلال الطالباني) انموذجا فريدا في رفض المصادقة على عقوبة الاعدام ، فبالرغم من كونه خريج لكلية القانون في جامعة بغداد ومعاناته من الاضطهاد السياسي طوال عشرات السنين وصدور احكام الاعدام بحقه من قبل النظام السياسي السابق،  الا  انه قدم لنا موقفا مهنيا فريدا ضمن المسارات الديمقراطية للعراق الجديد بعد عام 2003م وهو موقف امتناعه عن المصادقة على احكام الاعدام.
حيث امتنع عن المصادقة على اعدام الرئيس العراقي الاسبق (صدام حسين) ومجموعة من قادة نظامه  لسببين حسب ماصرح به، الاول بسبب عضوية الرئيس (جلال الطالباني) الى مايسمى بالاشتراكية الدولية ، والثاني توقيعه لنداء او التماس دولي يضمن المطالبة بالغاء عقوبة الاعدام ضمن نقابة المحامين الدولية .

ثالثاً :- نبذة عن الاشتراكية الدولية
وهي المنظمة العالمية المستقطبة للأحزاب الديمقراطية الاشتراكية والاشتراكية العمالية والقوى السياسية الاشتراكية ،  وتضم في عضويتها لغاية عام 2023 مايقارب (132) حزبًا ومنظمة سياسية من جميع القارات
القارات. تاسست منذ عام 1951، في مدينة فرانكفورت ، وتضم المنظمة العديد من الأحزاب الأعضاء في الحكومات او في قوة المعارضة الرئيسية [6].
و تضم هذه المنظمة في عضويتها الاتحاد الوطني الكردستاني الذي كان الرئيس (جلال الطالباني) عضوا مهما فيه وبسبب مواقفه وتاريخه النضالي تدرج في أروقة المنظمة الاشتراكية وصولاً الى تسنمه منصب نائب الرئيس فيها.
 وكان لانضمام الرئيس (جلال الطالباني) الى هذه المنظمة اثره الكبير في تبني بعض المواقف ولاسيما رفضه عقوبة الاعدام ، جاء نتيجة لالتزامه بالميثاق الأخلاقي للاشتراكية الدولية و الذي اعتمد في المؤتمر الثاني والعشرين ، حيث نص الميثاق على مايلي[7] :-
((نحن الأحزاب الأعضاء في الاشتراكية الدولية، نؤكد التزامنا الكامل بقيم المساواة والحرية والعدالة والتضامن والسلام التي هي أساس الاشتراكية الديمقراطية. ونتعهد رسميًا باحترام هذه القيم والدفاع عنها وتعزيزها بروح الإعلانات والحملات الأساسية للأممية الاشتراكية)).
وقد تضمن الميثاق  قواعد السلوك التالية:
3. ضمان احترام كرامة الإنسان، في جميع الظروف، والعمل وفقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الهامة الأخرى التي اعتمدتها الأمم المتحدة ومؤسساتها لمنع عقوبة الإعدام[8].
رابعاً :- المنظمة الدولية للمحامين
وهي المنظمة الدولية التي تضم نقابات المحامين وجمعيات القانون،  تأسست عام 1947، بعد إنشاء منظمة الأمم المتحدة بهدف حماية وتعزيز سيادة القانون على مستوى العالم، وقد تطورت المنظمة من رابطة تتألف حصريًا من نقابات المحامين وجمعيات القانون، إلى رابطة تضم محامين دوليين فرديين وشركات محاماة بأكملها. وتتألف العضوية الحالية من أكثر من (80.000) محامٍ دولي فردي من معظم انحاء العالم وحوالي (190) نقابة محامين وجمعية قانونية منتشرة في أكثر من (170) دولة، ويقع مقرها في لندن ولديها مكاتب اقليمية، وتضم في عضويتها نقابة المحامين العراقية[9].

المطلب الثاني
موقف الرئيس (جلال الطالباني) من اعدام الرئيس الاسبق(صدام حسين) وقيادات نظامه
اولا :- موقفه من اعدام الرئيس الاسبق (صدام حسين)
في 5/11/ 2006 صدر حكم الإعدام بحق الرئيس الاسبق(صدام حسين) بعد إدانته في قضية الدجيل التي قتل فيها (148)  شخصاً، وقبل صدور حكم الاعدام صدرت عدة تصريحات صحفية من الرئيس (جلال الطالباني) اعربت جميعها عن رفضه  على المصادقة على حكم الاعدام بحق الرئيس العراقي الاسبق (صدام حسين) وكما ورد في بعض المقابلات على سبيل المثال لا الحصر:-

1- مقابلة مع وكالات اعلامية اجنبية
حيث صرح الرئيس (جلال الطالباني) انه ترك موضوع التوقيع على أي قرار بإعدام الرئيس الاسبق  (صدام حسين) لنائبيه في مجلس الرئاسة ( عادل عبد المهدي ،غازي عجيل الياور).
2- مقابلة مع قناة العربية
اعلن الرئيس العراقي (جلال الطالباني) في مقابلة تلفزيونية مع قناة العربية الفضائية انه سيرفض التوقيع على حكم محتمل باعدام الرئيس الاسبق (صدام حسين) وانه لن يوقع على الحكم لو اضطر للاستقالة من منصبه.
3- مقابلات مع صحيفة الشرق الاوسط
حيث صرح الرئيس (جلال الطالباني) في مقابلة مع صحيفة الشرق الاوسط بانه قد يواجه مشكلة في حال صدور حكم بالاعدام على الرئيس العراقي الاسبق (صدام حسين)  لكونه من المناهضين لحكم الاعدام، واوضح الرئيس (جلال الطالباني) ردا على سؤال ما اذا كان سيعفو عن صدام في حال صدر حكم بالاعدام ضده ، ((اني من المحامين الموقعين على النداء الدولي لانهاء حكم الاعدام في العالم)) ، واكد بان ((صدام حسين واركان نظامه سيقدمون الى العدالة وسيتمتعون بمحاكمة نزيهة وعادلة علنية وستعرض امام الجميع وسيكون لهم حق الدفاع عن انفسهم)).
 وقد أكد طالباني مجددا ، في مناسبة اخرى، أنه ما زال متمسكا بتوقيعه على وثيقة دولية للمحامين لإلغاء حكم الإعدام وأن هذا التوقيع ما زال صالحا.

ثانيا: موقفه من اعدام نائب رئيس الوزراء العراقي الاسبق( طارق عزيز)
جدد الرئيس الطالباني رفضه بتوقيع اوامر الاعدام في مقابلة أجرتها قناة (فرانس 24) التلفزيونية الفرنسية اثناء حضوره اجتماع القمة العربية في مدينة سرت الليبية بتاريخ  17 /10/2010 وصرح في حينها بانه : (( ارفض  التوقيع على اعدام (طارق عزيز) لانني اشتراكي، واتعاطف مع طارق عزيز لانه مسيحي عراقي، وعلاوة على ذلك فهو رجل تجاوز عمره السبعين)).

ثالثا: موقف الرئيس طالباني من اعدام سلطان هاشم احمد
رفض الرئيس (جلال الطالباني) التوقيع على أمر إعدام وزير الدفاع العراقي الاسبق (سلطان هاشم احمد) ، واكد الرئيس (جلال الطالباني) في اكثر من مناسبة إلى أنه يعرف (سلطان هاشم)  شخصيا وكانت لديه علاقة به أثناء فترة حكم صدام، و أنه قد حث (سلطان هاشم) على التمرد على صدام حسين. وقد لاقى رفض اعدام (سلطان هاشم احمد) ترحيبا في حينه بين الاوساط العراقية وقد حظى باجماع مجلس الرئاسة العراقية خلال دورتين (2006-2010)، (2010-2014)
حيث صرح نائب رئيس الجمهورية الاسبق (عادل عبد المهدي) بانه طُرح موضوع اعدام (سلطان هاشم) في مجلس الرئاسة (2006-2010)، حين كان وقتها يوقع احكام الاعدام نيابة عن الرئيس كنائب للرئيس.            وطلب من الرئيس (جلال الطالباني) في وقتها بانه لن يوقع احكام الاعدام ولاسيما تلك التي تطال عناصر مهنية، وسلطان هاشم احدهم.
وقد اظهر اجتماع مجلس الرئاسة خلال الدورة الثانية (2010-2014) بتاريخ 19/6/2014، بحضور الرئيس (جلال الطالباني) والنائب الاول (طارق الهاشمي) والنائب الثاني (خضير الخزاعي) موقف رئاسة الجمهورية الرافض لتنفيذ حكم الاعدام بوزير الدفاع الاسبق( سلطان هاشم احمد).

رابعاً:- موقفه من اعدام علي حسن المجيد
بعد ان حكمت المحكمة الجنائية العليا في 24 /6/ 2007، باعدام وزير الدفاع الاسبق (علي حسن المجيد) للمرة الاولى في قضية حملات الانفال التي قضى خلالها نحو مئة الف شخص ولم يعارض الطالباني تنفيذ حكم الاعدام على (علي حسن المجيد) لادانته بالاشراف على هجمات بالغاز السام استهدفت قرى كردية وقتل فيها الالاف من ابناء شعبنا الكردي.
ان موقف الرئيس (جلال الطالباني) تجاه عقوبة الاعدام عبر عن موقفا مهنيا شخصيا لالتزامه ببعض الالتزامات الدولية كشخصية حزبية ونقابية.
 ولكن من جانب اخر الا وهو الجانب القانوني فقد اوكل الى نوابه مهمة المصادقة على احكام الاعدام في رؤية ثابتة في اعطاء مؤسسة مجلس الرئاسة اهميتها وتوزيع الصلاحيات وهو يعلم بان عدم مصادقته على احكام الاعدام لن تؤثر على سير المحاكمات وتنفيذ القصاص العادل بحق المجرمين ممن ثبت تورطهم باستباحة الدم العراقي.

المطب الثالث
موقف المنظمات الدولية من عقوبة الاعدام بحق قادة النظام السابق
تباينت المواقف الدولية الرافضة لاعدام الرئيس العراقي ورموز نظامه، وجاءت تلك المطالبات الى الرئاسة العراقية عبر بيانات رسمية ولقاءات خاصة ورسائل دبلوماسية.
اولا:- مناشدة المفوضة السامية لحقوق الإنسان (لويز آربور)
 حيث ناشدت المفوضة السامية لحقوق الإنسان (لويز آربور) الرئيس (جلال طالباني) بعدم إعدام معاوني صدام، (برزان إبراهيم الحسن، عواد حامد البندر) وشككت المفوضة في مناشدتها بعدالة وحيادية المحكمة في تنفيذ هذه الأحكام، مطالبة بالتخفيف من العقوبة أو العفو التام.

ثانيا:- مناشدات دولية لعدم اعدام (طارق عزيز)
وقد اصدرت الفاتيكان وروسيا مناشدات عديدة الى الرئيس العراقي (جلال الطالباني) داعية اياه الى عدم تنفيذ حكم الاعدام بحق نائب رئيس الوزراء العراقي الاسبق ( طارق عزيز)  لدواع انسانية نظرا لسنه ومشاكله الصحية. وقال الفاتيكان ان الرأفة ستساعد العراق على احراز تقدم على طريق المصالحة وتحقيق العدل والسلام.
ثالثا :- اللقاء مع السفير الامريكي (زلماي خليل زاد)
حيث تطرق السفير الأميركي في العراق زلماي خليل زادة في مؤتمر صحفي مشترك عقده في بغداد مع الرئيس العراقي جلال الطالباني الى موضوع محاكمة الرئيس العراقي واعوانه، وبشأن محاكمة صدام حسين وأعوانه قال الرئيس (جلال الطالباني) «إن المحكمة حرة في اتخاذ قراراتها بهذا الموضوع، ونحن في بلد يحترم القضاء.

المطلب الرابع
التداعيات الاجتماعية والسياسية لرفض الرئيس (جلال الطالباني) توقيع عقوبة الاعدام
ادت مواقف الرئيس (جلال الطالباني) من اعدام الرئيس العراقي الاسبق (صدام حسين) وبعض رموز نظامه الى انقسام شديد بين العراقيين، ولاسيما وان بعض القوى السياسية استغلت حالة الخلاف السياسي لتاليب الراي العام ضد الرئيس العراقي ومجلس الرئاسة.

والملاحظ والمتابع لتصريحات الرئيس العراقي لم نجد منه أي استخفاف بدم أي من شرائح الشعب العراقي وقد عانى كمواطن عراقي من حقبة الظلم والمنفى والتشريد قبل عام 2003م، وقد ابدى موقفه الدائم والداعم الى وجود محاكمة رسمية قانوينة لمن توغل بدم العراقيين وفق محاكمة عادلة ونزيهة.
وقد اكد الرئيس (جلال الطالباني) في مناسبات عديدة على ضرورة تنفيذ عقوبة الاعدام بحق الرئيس الاسبق (صدام حسين) معتبرا أنه يستحق الشنق (20) مرة يوميا.
وقد اعرب الرئيس (جلال طالباني) عن قناعته بان الرئيس الاسبق (صدام حسين) يستحق عقوبات كبيرة جدا لانه اجرم بحق الشعب العراقي وخان الوطن وجلب الكوارث والويلات على الشعب العراقي.
 وكان يؤكد على ضرورة مبدا  الفصل بين السلطات و عدم التدخل في القضاء، وان قضية اعدام الرئيس الاسبق (صدام حسين) قضية قانونية وليست سياسية.
وفي مقابلة للرئيس (جلال الطالباني) مع صحيفة الحياة بتاريخ 19/1/2007م، اعتبر ان اعدام الرئيس الاسبق(صدام حسين)  خلق جوا اخرا في العراق يفتح الطريق لتطورات ايجابية باعتبار وجوده كان يمثل وهما لدى البعثيين بانهم سيعودون الى الحكم عبر تعاون  صدام مع الاميركيين وبالتالي سيعيدونه مرة اخرى الى الحكم.
ويبدو بالرغم من موقف الرئيس (جلال الطالباني) المهني الرافض للاعدام الا انه حول صلاحياته الى مجلس الرئاسة لنوابه الاول والثاني للمصادقة على احكام الاعدام.
حيث خول الرئيس (جلال الطالباني) نوابه في مناسبات عديدة  في صلاحية التوقيع على أحكام الإعدام
وقد وجه  الرئيس (جلال طالباني) رسالة الى رئيس الوزراء الاسبق ( نوري المالكي) بشأن احكام الاعدام الصادرة بحق المدانين من قبل المحكمة الجنائية العراقية العليا، مطمئنا فيه بانه ملتزم في الدستور ومذكرا بالمادة (15) ثانيا من قانون المحكمة ينص على انه ((لايجوز لاية جهة كانت بما في ذلك رئيس الجمهورية اعفاء او تخفيف العقوبات الصادرة من المحكمة)).

تداعيات رفض الاعدام
والملاحظ في حينه ان بعض الفعاليات السياسية والاجتماعية العراقية طالبوا بمحاكمة الرئيس (جلال الطالباني) لرفضه التوقيع على احكام الاعدام بتهمة الخيانة العظمى وقد ادى الامتناع الى شن حملة شرسة على مجلس الرئاسة وعلى الرئيس (جلال الطالباني) شخصياً من قبل بعض الجهات والشخصيات السياسية ومن قبل اعضاء مجلس النواب العراقي، حيث وصل الاتهام الى ان امتناع الرئيس طالباني عن المصادقة على أحكام الإعدام يعتبر حنث باليمين وتجاوز للدستور والقانون.
ووصل الامر خطورته الى مطالبة لجنة النزاهة البرلمانية بإستجواب الرئيس (جلال الطالباني) لوجود انتهاكات للدستور، متمثلة بعدم توقيعه بتنفيذ اعدامات المدانين التي ثبت مسؤوليتهم عن جرائم قتل بحق الشعب العراقي، ويعد هذا الاستجواب الاول في العراق يطال منصب رفيع المستوى بحجم رئاسة الجمهورية.
ولم تصل الاتهامات فقط الى الرئيس (جلال الطالباني) بل شملت نوابه وديوان الرئاسة حيث تم اتهامهم بالتخاذل في التوقيع على عقوبة الاعدام.
وقدم بعض النواب بعض الوثائق التي تدل على وجود تاخير من قبل مجلس الرئاسة  في المصادقة على احكام الاعدام والتي تخص الكثير من ازلام النظام السابق.
ولم يكن الخلاف مع الكتل السياسية فحسب بل وصل الخلاف داخل مجلس الرئاسة حيث اعلن نائب رئيس الجمهورية الاسبق (خضير الخزاعي) في اكثر من مناسبة عن عدم تخويله بملف اعدام اعضاء النظام  السابق الذي حكم عليهم القضاء بالاعدام. بينما كان موقف (طارق الهاشمي) باتجاه عدم تنفيذ حكم الاعدام بحق الضباط العسكريين ولاسيما (سلطان هاشم احمد) و( حسين رشيد التكريتي) وقد طالب رئيس مجلس النواب السابق (سليم الجبوري) باصدار عفو رئاسي خاص عن (سلطان هاشم احمد). .
ونجد ان مطالبات اصدار العفو كانت لاسباب مهنية وسياسية ولكنها اصطدمت بمشاعر العديد من العراقيين ممن عانوا القتل والتهجير جراء سياسيات النظام العراقي السابق.
 وان جميع الخطوات الانسانية التي اطلقتها مؤسسات الدولة العراقية ، كانت لكي تظهر الدولة العراقية دولة قوية واثقة من نفسها، وان قوة وديمومة النظام السياسي لا تعتمد على السجون والاعدامات، بل على اقامة العدل.

المطلب الخامس
مضامين حقوق الانسان في بيانات ومواقف الرئيس (جلال الطالباني)
الملاحظ والمتابع لخطابات الرئيس (جلال الطالباني) الرسمية منذ كان رئيسا انتقاليا للبلاد لغاية التصويت عليه رسميا ليكون رئيسا للبلاد انه استند في كافة الخطابات والرسائل واللقاءات والبرامج التلفزيونية الى التطرق الى مبادئ حقوق الانسان ولاسيما الحق في الحياة واهميته.
ولم تكن مواقف الرئيس (جلال الطالباني) تجاه قضايا حقوق الانسان مواقف عابرة او وقتية او للاستهلاك الاعلام  بل كانت مواقف وطنية حمل همها منذ ايام شبابه وهو يدافع عن حقوق ابناء شعبه في مختلف الملتقيات والبرامج والفعاليات.
والملاحظ خلال لقائه البعثات الدولية والاجنبية وسفراء الدول ان الحديث الذي كان حاضرا على الدوام هو احترام حقوق الانسان ،وفيما يلي بعض خطابات ولقاءات الرئيس (جلال الطالباني) التي تضمنت احترام حقوق الانسان:-
كلمة الرئيس ( جلال الطالباني) في الدورة الستون للجمعية العامة للامم المتحدة  في 15/9/2005:
حيث اوضح إن تجربة العراق طوال أكثر من ثلاثة عقود تعكس معالم تجربة فريدة ودرس تأريخي عميق في دلالاته ونتائجه، ويتلخص ذلك كله في عبارة ذات معنى وهي أن التنمية هي الوجه الآخر للحرية و الديمقراطية، وانها المرادف للنهضة على صعيد الانسان والمجتمع والدولة، وبالتالي فإن نظام الحكم الصالح الذي يحترم حقوق الانسان و يقوم على أسس ديمقراطية، هو وحده الذي يحقق جوهر التنمية بوصفها توسيعاً لخيارات الانسان.
إن العراق الذي نهض من رماد الديكتاتورية بكل ما تعنيه من تخلف، ومن اهدار للموارد، ومن اساءة للانسان، يفتح قلبه للعالم كله آملا ان يدرك العالم قيمة واهمية تجربة العراق وهو يقارع الارهاب ويرفض خطابه المتخلف، ويعقد العزم على إعادة بناء حاضره ومستقبله باصرار وصبر ومعاناة و على أسس الديمقراطية و حقوق الإنسان.
كلمة الرئيس (جلال الطالباني) في اجتماع الدورة احدى وستون للجمعية العامة للامم المتحدة  بتاريخ  22/9/2006 :حيث جاء فيها إن العراق يؤمن بأن تحقيق التنمية المستديمة يتوازى مع احترام حقوق الإنسان وتوفير الأمن وتحقيق العدالة والتوزيع العادل للثروات وتنمية القطاعات الزراعية والاقتصادية والخدمية.
لقاء الرئيس ( جلال الطالباني ) مع (اشرف قاضي) الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق في 4/10/2006م
حيث التقى الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، أشرف قاضي، بالرئيس (جلال الطالباني) و بحث معه  التطورات السياسية والأمنية الأخيرة في العراق وحالة حقوق الإنسان فيه، و التقدم الذي تم إحرازه بخصوص قضايا حقوق الانسان و مختلف المبادرات المطروحة بما في ذلك عهد وقف نزيف الدم العراقي.

 لقاء الرئيس (جلال الطالباني) مع عضو مجلس العموم البريطاني و المبعوثة الخاصة للحكومة البريطانية لشؤون حقوق الانسان (آن كلود) بتاريخ 21/5/2008
حيث قدم الرئيس (جلال  الطالباني) عرضاً عن سير العملية السياسية والانجازات التي تحققت على صعيد تعزيز التلاحم السياسي و بسط الامن و النظام و القانون. و أشار إلى أن العمليات العسكرية تجري بنجاح ضد الارهابيين و الخارجين على القانون مع مراعاة حقوق الإنسان، و إن احترام حقوق الانسان من أهم ركائز بناء العراق الجديد و يحظى باهتمام خاص.
كلمة الرئيس (جلال الطالباني) في اجتماع الدورة الثالثة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ  25/9/2008 :
وقد اوضح بان الاعمال الارهابية لن تثني الشعب العراقي من تأسيس تجربته التي تعتمد العدالة والمشاركة والديمقراطية التي دفع شعبنا من اجلها ثمنا باهظا، وان موقفنا هذا يستدعي من دول العالم الدعم المستمر والمساندة ليتمكن من بناء دولة عصرية تكفل العدالة والمساواة وتعزيز سلطة القانون واحترام حقوق الانسان ومشاركة المرأة في مجالات الحياة كافة، وان الحكومة العراقية ماضية بعزم لا يلين نحو فرض سيادة القانون في كل ارجاء العراق ونزع سلاح الميليشيات والمجموعات المسلحة والتصدي للنزعة الطائفية وبناء مؤسسات الدولة على اسس وطنية.

كلمة الرئيس (جلال الطالباني) في اجتماع الدروة الرابعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ  25/9/2009 :
حيث اوضح فيها ان العملية السياسية في العراق تهدف الى بناء عراق اتحادي ديمقراطي موحد، يعمل الشعب فيه في ظل مؤسسات دستورية وسلطة للقانون تتمتع فيها حقوق الانسان بالحماية، وتحظى فيها جميع مكونات الشعب بالاحترام الكامل.
لقاء الرئيس (جلال الطالباني) مع رئيس البعثة الدولية للصليب الاحمر في العراق (خوان بيدرو سكيرار) بتاريخ 11/11/2009م 
خلال لقائه رئيس البعثة الدولية للصليب الاحمر في العراق خوان بيدرو سكيرار حيث جرى خلال اللقاء تبادل الاراء بخصوص احوال السجناء و المعتقلين، حيث اكد رئيس الجمهورية حرص العراق على احترام حقوق الانسان و سيادة القانون باعتبارها احد الاعمدة الاساسية لبناء العراق الجديد.
كلمة الرئيس (جلال الطالباني) في الدورة الخامسة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ  24/9/2010 :
حيث تضمنت ((إن العملية السياسية الجارية في العراق تهدف إلى بناء عراق اتحادي ديمقراطي موحد ومستقل، يعمل الشعب فيه في ظل مؤسسات دستورية وسلطة القانون، تتمتع فيها حقوق الإنسان بالحماية، وتحظى فيها جميع مكونات الشعب بالاحترام الكامل)).
كلمة الرئيس  (جلال الطالباني) في الدورة السادسة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ  23 /9/2011 والذي تحدث فيها عن التطورات والإنجازات التي شههدتها جمهورية العراق  في العمل على احترام حقوق الانسان و بناء الدولة الحديثة ، التي تعيش في سلام وأمن مع شعبها وجيرانها.

الخلاصة
ان مواقف الرئيس (جلال الطالباني ) تجاه قضايا حقوق الانسان لم تكن وليدة المنصب بل عبرت عن موقف انساني ووطني حمله الرئيس (جلال الطالباني) طوال سنين حياته، وقد لعب دورا مهما وكبيرا في الحفاظ على المرتكزات الديمقراطية للعراق الجديد بعد عام 2003م.
ولم يكن ليحظى بثقة وتصويت اعضاء البرلمان العراقي مالم يكن يحظى بثقة وتاييد شعبي واسع بين ابناء الشعب العراقي.
انه صمام امان كما وصفه اية الله العظمى السيد (علي السيستاني) فقد التقت عنده مختلف الاتجاهات القومية والدينية والسياسية والاقليمية .
اما عن موقفه من الاعدام والذي لازال لغاية يومنا هذا يثير استغراب وحفيظة البعض فانه يعود لاسباب كثيرة ، حيث ان التاريخ النضالي للرئيس (جلال الطالباني) الذي قضاه مقاتلا ومناضلا في جبال كردستان وفي المنفى، وحكم عليه بالإعدام غيابيا،  كما أصدر الرئيس الاسبق (صدام حسين) عفوا عن المشاركين في انتفاضة 1991، ولكنه استثنى طالباني من هذا العفو.
وعند تولي الرئيس (جلال الطالباني) رئاسة الجمهورية في العراق وكان من ضمن صلاحياته التوقيع على قرارات الإعدام الصادرة بحق المجرمين، لكنه رفض التوقيع على حكم إعدام الرئيس الاسبق (صدام حسين) ، ولم يعامله بالمثل، وتسلّح بحقيقة أنّه من الموقعين على وثيقة منظمة الاشتراكية الدولية الداعية لإلغاء عقوبة الإعدام ، ولم يتصرف مع صدام حسين بروح انتقامية.
وهذا الميثاق هو الذي دفع الفقيد الطالباني الى مقت عقوبة الإعدام من جانب ودفاعه المستميت على تحريم الدم العراقي الذي ما أنفك يحارب لأجله في كل مناسبة أو حدث.
وقد هدد في اكثر من مناسبة بانه متى ماراى الظروف السياسية تدعوه الى مخالفة مبادئه فانه سيضطر لتقديم الاستقالة من رئاسة الجمهورية ويعود الى امانة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني ليمارس حريته الكاملة.

*اعداد السيد احمد عبد العباس علي - الجمعية العراقية للعلوم السياسية/ ذي قار













 

المزيد

Copyright © 2025 . PJT Foundation. All right reserved