إمكانية مام جلال من اللغة العربية العوامل والأسباب

2024-04-08
ملخص البحث
تهتم هذه الدراسة بشخصية مام جلال العربية, وتقف على محطات حياته التي كوَّنت هذه الشخصية ابتداء بمرحلة طفولته التي تعدٌّ النقطة الأولى لتأسيس ثقافته العربية, إذ بدأ بقراءة الكتب وكبّر معه هذا الحظ واستمرَّ معه حتى مرضه عام 2012م, وكذلك كان محبَّاً لمادة اللغة العربية ومدرسها أثناء دراسته في المدارس, وكان لعمله في الصحافة والسياسة دوراً كيراً لتقوية لغته العربية، فضلاً عن ذكائه وفطنة مام جلال الذي كان ذا عقل قوي وفكر نيّر وذكاء حاد.

المقدمة
الحمد لله الذي علم الإنسان بالقلم وعلمّه مالم يعلم, والصلاة والسلام علي نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
مام جلال هو جلال حسام الدین نور الله نوري الطالباني ولد في (12 نوفمبر 1933م) وهو سیاسي كردي عراقي ورئیس جمهورية العراق السابق في الفترة من 2005م إلی 2012م ، كما شغل منصب رئیس مجلس الحكم العراقي، ويعد أول رئيس غیر عربي لجمهوریة العراق، یلقب بین الشعب الكردي باسم ( مام جلال ) أي ( العم جلال).
كان مام جلال الأمین العام لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني منذ تأسيسه (عام 1975م) إلى وفاته في  ( 3 اكتوبر 2017م)، وهو أحد الأحزاب الكوردية  والعراقية الرئیسة، وكان عضوا بارزا في مجلس الحكم الانتقالي العراقي الذي تأسس بعد الإطاحة بنظام حزب البعث بغزو العراق في عام 2002م، وكان الطالباني مناضلا لحقوق الكرد والديموقراطیة في العراق منذ أكثر من ( 50 ) عاما، وعلی الرغم من أنه كردي، إلا أنه یجید اللغة العربیة واللغة الفارسیة واللغة الإنجلیزیة
ويعدُّ اهتمام الرئيس مام جلال باللغة العربية من أساس مشروعها الثقافي والحضاري, لأنّه يرى أن اللغة بوصفها ناقلا للمعارف والعلوم, وحاملا للقيم والثقافات والإبداعات, فالاهتمام باللغة لدى سموه ليس محصورا في مجالات محدّدة أو أماكن محصورة, ولا يقتصر على مبادرات محلية ووطنية فحسب بل يمتدٌّ إلى رؤية ثاقبة, وجهود متواصلة في نشرها ودعمها والارتقاء بها.
 وعلى رغم من أنّه كان سياسيا ولكنه كان مثقفا كبيرا أيضاً،  وانشغل في كثير من المجالات الثقافية كمجلات القراءة والكتابة والصحف والأدب, مما أدى ذلك إلى تعليم عدّة اللغات ومن بينها اللغة العربية التي تكلّم بها بطلاقة في حياته عموماً وفي فترة رئاسته لجمهورية العراق خصوصاً.
وعلى هذا الأساس قمنا بكتابة هذا البحث الذي عنوانه (إمكانية مام جلال من اللغة العربية, العوامل والأسباب), وقد وقفنا من خلال هذا العنوان على محطات من حياته التي أدت إلى تعلُّم اللغة العربية ابتداء بدخوله في المدرسة ومرورا بحياته الاجتماعية والسياسية واختلاطه مع الأشخاص والقادة السياسيين العرب، التي أظهرت لنا الكفاءة العظيمة التي امتلكها مام جلال في اللغة العربية.
وقد تناولنا في هذا البحث أهم العوامل التي أدّت إلى تمكٌّن مام جلال القوي والدقيق من اللغة العربية، ولخصناها في النقاط الآتية التي تشمل محطات مهمة في حياته، وهي:
دراسة مام جلال: للوصول إلی عربیة مام جلال نرجع إلی المحطة الأولی من حیاته وهي دخوله إلی المدرسة في مدينة كويه، و أكمل المرحلة الابتدائية سنة (1947)م ودرس المتوسطة في سنوات 1948  و 1949 و 1950؛ أيضا في مدينة كويه.
وأكمل الصف الرابع الثانوي في مدينة أربيل والخامس الثانوي (الحادي عشر الآن) في مدينة كركوك.
ثم ذهب إلی بغداد وقبل في كلية الحقوق وكلية الطب في بغداد واختار الحقوق للعمل السياسي؛ واستمر في كلية الحقوق حتی أكمل السنة الثالثة وبعدها فُصل ولمدة سنة من الدراسة بسبب سفره إلی وارشو وموسكو وبكين، وفي سنة ١٩٥٤ فُصل بشكل نهائي حتی ثورة اندلاع ثورة (14) تموز وبعدها رجع إلی الدراسة وحصل علی البكالوريوس في القانون.
ومما ادى إلى تقوية لغته العربية أيضاً كان في  مرحلة الثانوية كان له ثلاثة من مدرسين العرب، إثنان منهم طردا من بلدتهما بسبب قضية سياسية، وكان لمام جلال علاقة قوية معهما.
و كان جميع المواد الدراسية التي درسها في مرجلة الابتدائية باللغة العربية إلا اللغة الكوردية.
يشير مام جلال في لقائه مع شيخ موس إلی أنه كان جيدا في مادة اللغة العربية، والسبب يرجع  إلى طيبة علاقته مع أحد من المدرسين العرب، الذي كان مدرسا لمادة العربية, وكذلك حبَّه لتعليم اللغة العربية.
عمله في الصحافة:
وبعد ما أكمل الجامعة لم یمارس مهنته - المحامات – بل دخل الخدمة العسكریة، وأكمل كلیة اتحاد الضباط، وصار ضابطا لعدة الشهور ثم ترك عمله كضابط وأصبح صحفياً في مجلة (خەبات) و (كوردستان) .
بدأ مام جلال عمله كصحفي في بدایة الستينيات في مجلة ( خەبات ) عندما كان إبراهیم أحمد رئيسا لتحریر هذه المجلة .
ویقال عنه أنه كان كاتبا كبيرا و صاحب قلم نافع ومثمر،  وكان خطیبا مبدعا وخطابته متنوعة ومكتوبة بلغة سليمة بليغة يفهمها المتلقي، وكان متوازنا في كلامه، وهو كشكول كبير في القيادة والسلطة. والسياسة هي التي أدخلته في العمل في الصحافة، لأكان ن  طموحه الشخصي أن یكون أستاذا جامعیا، وعندما انخرط في العمل السياسي عمل من أجل نظام ديمقراطي، ولم يوافق على أخذ أي منصب بعد المفاوضات مع الحكومة العراقية بعد 14 تموز  1958.
صار رئيس تحرير صحيفة كردستان في عامي 1959 - 19٦0 وعضوا في صحيفة (خبات) وصار عضوا في الهيئة الإدارية لنقابة الصحافيين عام 1959م والتي كان نقيبها الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري.
قراءته للكتب والمجلات المكتوبة باللغة العربية:
وكان حظه لتعليم اللغة العربية ظهر منذ طفولته وبالتحديد سنة 1944 عندما كان طالبا في الصف الثالث الابتدائي إذ بدأ بقراءة صحيفة (الأهالي) الصادرة باللغة العربية، مع عدم فهمه لها آنذاك، كما يقول مام جلال في هذا اللقاء مع شيخ موس، ثم بعد سنة 1947م دخل في السياسة وبدأ بقراءة عدد من الكتب المكتوبة باللغة العربية ومنها:
(صديقنا الاتحاد السوفيتي) أخذه من فاتح رسول
(المسألة الوطنية لستالين)
(المادة الدياليكتيكية) لستالين أيضا. هذا الكتاب الثاني والثالث شرح له من قبل شخص اسمه (علي عبدالله) من الحزب الديمقراطي.
الديمقراطية الحديثة، صدر هذا الكتاب سنة 1946 أو 1947 كتب عن كبار الرجال في العالم.
(رجل أسيا) عن شخصية ماوتسي تونك.
وقد أعجب مام جلال بقراءة الكتابين الأخيرين،  وكانا من أقرب الكتب لديه  - كما يقول - وأحسنها من عقله وعمره، وتأثر من خلال الكتاب الخامس بشخصية  ماوتسي تونك، لأنه تحدث عن نضال وجهود الشخصيات الصينية التي ناضلت في الجبال .
في عام 1950م قرأ روايتين الأول:  رواية (ئانا كارنينا) لتولستوي، والثاني: روایة (الأم) لماكسيم گورگی، وهاتان الروايتان الوحيدتان اللتان قرأهما في حياته (شيخ موس 2017م، ص.37). وأيضا في الخمسينيات من القرن الماضي قرأ كتابين لخالد بگداش عنوانهما (نظام الاستقلال في سوريا ولبنان) و (الحرب الأهلية في اسبانيا) (شيخ موس 2017م، ص. 37).
ويبدو أن هذه البداية - من جهوده العلمي الشخصي وقراءة الكتب العربية والعمل في الصحافة - جعلت فخامة الرئيس مام جلال أن يوضع الحجر الأساس لتكون لغته العربية. 
علاقته القوية بالشاعر محمد مهدي الجواهري:
رغم ذلك مام جلال كان له صداقة قوية وحميمة مع الشاعر العراقي الكبير المرحوم (محمد مهدي الجواهري، ت1997)، وترجع هذه الصداقة إلی مرحلة شبابه عندما حضر في مؤتمر الطلاب ببغداد سنة (1948م)، وخلال تظاهرات معاهده بورتسموث، فكان أول مرة يسمعه مباشرة بقصيدة (يوم الشهيد)، ويبقی أثر القصيدة وطريقة الإلقاء المميز لدى الشاعر في ذاكرته، ثم يجده الجواهري أمامه عضوا في اتحاد الأدباء العراقيين (1959) مندوبا عن الحزب الدمقراطي الكردستاني، وحسب الجواهري أن الملا مصطفی البارزاني (ت1979) كان يقدره جدا، فأراده ممثلا عن الحزب في الاتحاد (الجواهري ١٩٨٨م, ص. 80). هذه العلاقة استمرت بينهما وازداد تحاببهما حتی نظم الجواهري قصيدة بعنوان (ماذا أغني؟) عام 1980م وخصَّها بمدح جلال الطالباني، إذ مدحه بأجمل الكلمات وأصدق تعابير النابع من قلبه قائلا:
شوقأَ "جلال" كشوق العين للوسن          كشوق ناءٍ غريبِ الدارِ للوطنِ
 شوقاً إليكَ وأنتَ النورُ مِنْ بصري        وأنت مني محلَّ الرَّوحِ في البدن
يا ابنَ الذُّرى من عُقابٍ غيرِ مُصعدةٍ      شُمّ النسورِ به إلا على وهن
وحسبُ شعري فخراً أن يحوز على      راوٍ كمثلك ندب ، مُلهَم فَطِن
صفحاً جلال ، فقد أفرزت هاجعةً       من الرؤى ، وأطرت النوم عن شجني
اني كعهدك تلك النار تعرفها            وذلك الصُلب ، لم تخمُدْ ، ولم يكن
يا صاحبي ويموت المزمنون غداً             وخالدٌ صِدقُ قولٍ ناصفٍ زَمِن
لئن ندمتُ على ما فات من زمنٍ              فلست آيسُ ان يمتدّ بي زمن
"جلال" صُنتُ عهوداً بيننا وثقت             فما توثقتَ من عهدٍ بها فصُن
لا تبغني بوقَ "حربٍ" غيرَ طاحنةٍ            بها تزيّا كذوبٌ زيَّ مُطَّحَن
ولا تردني لحالٍ لستُ صاحبها                وما تردني لحالٍ غيرها أكُن
شوقاً "جلال" كشوقِ العينِ للوسنِ            كشوقِ ناءٍ غريبِ الدارِ للوطنِ
ودارت بينهما رسائل كثيرة وأهمها الرسالة التي أرسلها الجواهري طالبا منه التدخل لدی المسؤولین الأتراك، كي يسهلوا له أمر تأشيرة السفر إلی تركيا، ناداه (بأبا شلال) نسبة إلی ابنه الكبير (باڤل) لأن هذا الاسم معناه مأخوذة من إحدی الشلالات المشهورة في منطقة دوكان وبالأخص في منتزه (چەمی ڕەزان).
أدت هذه العلاقة إلی تخزين أغلب أشعار الجواهري في قلبه فقال الشاعر:
يا صاحبي - ويموت المزمنون غداو خالدٌ صِدقُ قولٍ ناصفٍ زَمِن
لئن ندمت علی مافات من زمن            فلست آيسُ ان يمتدّ بي زمن
رحل الاثنان وظل ما بينهما كصحبة عراقية مثار عجب وإعجاب، عربي يحمل كردستان علی رأسه وكردي يخزن قصائد صاحبه في القلب.  
ويبدو أنّ هذه العلاقة التی داومت منذ 1948 إلی وفاة الجواهري كانت محطة أخری في حياة مام جلال لتقوية لغته العربية.
ثلاث مواقف أدّت إلى إمكانية مام جلال اللغوية:
في لقائنا مع السيد الدكتور محمد صابر تبيّن لنا ثلاثة مواقف زادت من إمكانية  مام جلال  في اللغة العربية:
الموقف الأول: وهو أنّ مام جلال بعد إكمال أموره اليومية تخصّص ساعتين قبل النوم للقراءة، ولا ينام إلا بعد قراءة الكتب في جميع مجالات وأغلبها باللغة العربية.
والموقف الثاني: سرد لنا دكتور محمد أنّ مام جلال عندما كان مريضا وراقدا في المستشفى بإحدى المستشفيات بألمانيا؛ قد قرأ له مدير مكتبه نزار ئاميدي قصائد من ديوان الجواهري، ليجرّبون وعيه , وكان يخطيء أثناء قراءته عمدا، فانتبه مام جلال إلى ذلك وينبهه القاريء بمواقف الخطأ, لذلك نستطيع أن نحسب له إمكانيته وخبرته اللغوية الكبيرة ولاسيما إذا كان الاختبار على لغة الجواهري القوية، رغم ظرفه الصحي آنذاك.
والموقف الثالث: امتلك مام جلال – على قول دكتور محمد – الفطنة والذكاء التي لم يمتلكها إلا قليلا من البشر, إذ لم ينس ماحدث في حياته من الحوادث سواء ماقاله هو أم ما سمعه, رغم مشغلته.
وكان له منهج خاص بحياته, فأعطى الحق لكل شيء, وخصص الوقت لكل شيء, ولم يفعل شيئا على حساب شيء آخر, فهذا المنهج طبقه في تعليم اللغة العربية حتى امتلك ناصية اللغة.(محمد صابر, لقاء. 6-10-2022).
 إمكانية مام جلال اللغوية وصلت في نهاية عمره إلی مرحلة، صحح بها أخطاء لغوية ارتكبها أحد خطباء مؤتمر القمة العربية، واستغرب الحاضرون عمق معرفة الرئيس العراقي الكردي باللغة العربية. ورجعت قناة العراقية هذه الإمكانية إلی صداقة مام جلال بالجواهري، ووصفت المراسلة نوفل الجنابي لغة الجواهري قائلة " إذا اجتمعت اللغة العربية في الحبة فستجدها في جيب الجواهري، هكذا يقول العراقيون وهكذا يصنعون مكانة لشاعرهم الأكبر، لا يريدون أن يناقشهم فيها أحد، لأسباب بينها سياسة وتقلباتها لم يلق الجواهري ما يستحق من الإحتفاء بين مريده العرب العراقين بل وحده لدی كردهم الذين لا يفهم عدد كبير منهم ما يقول ... مام جلال كان من أقرب أصدقاء الجواهري".
وفي التقرير نفسه يتحدث شخص مجهول اسمه من مكتب فخامة الرئيس مام جلال ويروي قصة عناية مام جلال باللغة العربية يوميا، إذ كان يقرأ- حسب ما قال المتحدث –مجلات ودوريات، ويصحح الأخطاء اللغوية فيها بالقلم الأحمر مع الطلب من أعضاء مكتبه أن ينبه أصحاب هذه المجلات والدوريات ليكونوا أكثر انتباها أثناء الكتابة باللغة العربية .
نتائج البحث
إمكانية مام جلال العقلية والفكرية والذهنية كانت من العامل الأساسية في اتقانه للغة العربية
اهتمام مام جلال بالكتب المكتوبة باللغة العربية وقرائتها منذ طفولته حتى وفاته عاملا آخر لتقوية لغته العربية.
طبيعة حياته أدت إلى تقوية لغته العربية كانشغاله بالسياسة والصحافة واختلاطه بالبيئة العربية و الخدمة العسكرية وعدم انقطاعه من هذه البيئة حتى وفاته.
دراسة مام جلال في المراحل الدراسية منذ الطفولة إلى التخرج  من كلية الحقوق  كانت باللغة العربية،  وأثَّرت ذلك على طلاقته في اللغة العربية
علاقته الطيبة مع الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري  والإعجاب به وبقصائده وقرائته لها من العوامل الذي أدى إلى تكوين شخصيته اللغوية.
إمكانية مام جلال في اللغة العربية أدت إلى تصحيح الأخطاء لما يقرأ يوميا من الصحف والمجلات ولكلام أصدقائه في المؤتمرات والندوات.

م. بەختیار عولا رشید               
أ.د. أمير رفيق عولا

المزيد

Copyright © 2024 . PJT Foundation. All right reserved