الطرفة والمزاح في يوميات الرئيس الراحل جلال الطالباني

2024-04-08
ملخص البحث: على الرغم من الامكانيات الاقتصادية الهائلة والموارد الطبيعية المكنونة تحت الارض من المعادن والمياه الوفيرة والاراضي الخصبة الصالحة للزراعة تميز الشعب العراقي بالحزن والاكتئاب في ممارساتهم اليومية فمناسباتهم الدينية حزينة واغانيهم حزينة والكثير من اشعارهم حزينة حتى كاد الطابع العام لهذا الشعب هو الحزن لا يستذوق الفكاهة ولا يتحملون المداعبة، وكما هو معروف فان الانسان لا يمكن ان يعيش بدون بسمة وضحكة، ومرد ذلك راجع الى ما عاناه الشعب العراقي من نير الاحتلال الاجنبي المتكرر وظلم الطبقة البورجوازية من الاقطاع وملاكي الارض والاغنياء وقسوة السلطة الحاكمة عليهم، الى ان جاء الرئيس الراحل جلال الطالباني ليكسر جميع الحواجز بممارسة الطرفة في معاملاته اليومية، الى ذلك جاء البحث بثلاثة مباحث إذ جاء المبحث الاول حول اهمية الفكاهة في حياة الانسان,  وجاء المبحث الثاني حول وظائف الفكاهة اما المبحث الثالث فقد ركز حول الطرفة والفكاهة في يوميات الرئيس الراحل جلال الطالباني مع مرور سريع بأهم محطات حياته ثم الاستنتاجات وقائمة المصادر.
المقدمة
على مدى خمسة وثلاثين عاماً من حكم البعث بات اطلاق النكتة او التندر في ما يخص حالة الضنك وتردي الاوضاع الاقتصادية وصعوبة العيش من الجرائم الكبرى التي يعاقب عليها القانون , إذ تصل العقوبة حداً من القسوة بمن يتهم بمطلق الطرفة الى الاعدام على مستوى الشخص نفسه وحالة من العزلة والملاحقة على مستوى افراد عائلته تصل حتى الدرجة الخامسة او السادسة او ربما اكثر، فضلا عن اعتبارهم من الاهداف المعادية للحزب والدولة، حتى ساد نوع من الحزن والاكتئاب حتى كاد الصفة السائدة بين افراد الشعب واصبح تداول الطرفة محاط بنوع شديد من الحيطة والحذر بين الذين تصل بينهم درجات الثقة حدودا عليا، ومن سخريات القدر اصبحت التندًر واطلاق النكات هي الحالة السائدة بعد سقوط النظام، إذ اصبح رئيس الجمهورية نفسه هو من يطلق النكات ويطلق الطرائف ويتعامل بنوع من البشاشة وخفة الدم حتى عندما تعرض عليه ملفات مهمة كملف الكهرباء مًثلا الذي يعد في غاية الاهمية لأبناء الشعب العراقي، وهذا ما يعد سخرية وتأكيد عدم قدرة هذا الوزير او ذاك المسؤول على تنفيذ تلك المشاريع،  كما اخذت النكتة منحى اخر حينما اطلق الرئيس جلال طالباني النكات على نفسه، إذ كانت بعض النكات تطلق على ابناء القومية الكردية مما تسبب بأثارة حفيظة ابناء الشعب الكردي وتسبب لهم حالة من الانزعاج حتى اصبح اليوم الاكراد أنفسهم يطلقون النكات بنفس الطريقة التي كان يطلقها العرب.
فرضية البحث : تنطلق فرضية البحث من سيادة حالة الحزن والحذر من اطلاق النكات على مدى خمسة وثلاثين عاما حتى اصبحت من الجرائم الكبرى تصل عقوبتها حد الاعدام، استخدام الرئيس الراحل جلال الطالباني للطرفة والمزاح من خلال تعاملاته اليومية مما جعل النكتة والطرفة بين افراد الشعب العراقي تأخذ منحى اخر.
اشكالية البحث : تنطلق اشكالية البحث من خلال الاجابة على السؤال الأتي :
هل يعد الراحل جلال الطالباني أول رئيس عراقي كردي بعد سقوط نظام البعث وهو اول من كسر حاجز الخوف وفتح الباب على مصراعيه في اطلاق النكتة حتى على شخص رئيس الجمهورية نفسه.
وكيف استطاع الرئيس الراحل جلال الطالباني تغيير مسارها وتغير مزاج متلقيها.
منهجية البحث : استدلنا في هذا البحث بالمنهج التاريخي إذ تتبعنا ما قدمه الرئيس الراحل من طرف خلال مسيرة حياته كما استعنا بمنهج التحليل الوصفي والمنهج الإستقرائي لسبر اغوار الشخصية المرحة الوطنية للرئيس الراحل جلال الطالباني ، والوقوف على بعض المراحل المهمة في حياته فضلا عن علاقته بالكلمة الهادفة والطرفة حتى مع المسؤولين في الدولة عند عرض الملفات الحكومية.
المبحث الاول- أهمية الفكاهة في حياة الإنسان: إن الفكاهة والضحك تعد أمراً مهماً في حياة الإنسان، إذ انه يشرح الصدور وينفس عن الانسان من كبت يعانيه اما من ضغوطات الحياة اليومية او خوف ما تعانيه النفس البشرية وأكبرها الضغط الذي تمارسه بعض السلطات الحاكمة مما يجعل النفس البشرية تنزع إليه ، وتطمئن به القلوب وترتاحُ به النفوس، فقد فُطر الإنسان على الضحك والفكاهة، فترفع بها هموم حياته، وينفتح به النوافذ المضيئة في مسيرة حياته ولما كان الإنسان يتميز عن الحيوانات الأخرى بنطقه، فأنه كذلك يتميز عنها بابتسامته وفكاهته. والفكاهة وإن كانت توجد في بعض نواحيها اللواذع والانتقاد والسخرية من يحاول اظهار القدرات وهي خلاف ما يستطيع انجازه , ولكن لا تهدف الطرفة دائما إلى الإضحاك بل إنها تقوم بوظيفة النقد والدعوة إلى الإصلاح أيضا، والفكاهة تعد من المواضيع القريبة إلى النفس لا يخلو منها مجتمع، ولا تستغني عنها حضارة، إنما الغرض جعل الحياة ضاحكة وجديرة بأن تعاش، بعيدة عن الأحزان والأشجان، فالفكاهة انتشرت على وجه الأرض وعلى مر العصور لكل شعب يعيش على هذه البسيطة، ويقول بعض علماء النفس: إن الضحك يستخدم الأعصاب والعضلات فهي غريزة مهمة، والضحك حسب ما توصل إليه العلم الحديث يعيد للإنسان أنسه وأمله وطبيعته, ، بعيداً عن الأحزان والأشجان، فالفكاهة انتشرت بين جميع حضارات الارض، ويقول بعض علماء النفس: إن الضحك يستخدم الأعصاب والعضلات ويجعلها اكثر انبساطاً.
   من جانب اخر فقد اولى الاسلام اهمية كبرى للطرفة من القول والفعل القصد منه ادخال البهجة والسرور على النفوس دون استهزاء او تحقير وقد خص الله الانسان بالضحك دون غيره من المخلوقات  فقد ذكر الله الضحك في محكم كتابه الكريم " وأنَه هو أضحك وأبكى" وقد جاء في الحديث الشريف إذ قال رسول الله صل الله عليه واله وسلم "تبسمك بوجه اخيك صدقة" وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: "روحوا القلوب فإنها تمل كما تمل الأبدان". وقال عليه السلام أيضا: "من كانت فيه دعابة فقد برئ من الكبر".
   ومن الجدير بالذكر وجود علاقة جدلية بين الفكاهة السياسية والحرية السياسية، والدليل على ذلك بعد سقوط النظام السابق عام 2003 ، حدث انخفاض واضح في النكات السياسـية إذ كان  النظام السياسي كما هو معروف يقوم على سيطرة الحزب الواحد، ولم تكن هناك مؤسسات مدنية مستقلة عن الدولة، فكل المؤسسات مصبوغة بسياسة الحزب الواحد، والتفكير الواحد، دون إتاحة الفرصة للتعددية والديمقراطية وحق الاختلاف، ظهرت من ابرزها النكات حول الفساد الاداري والمالي بديلاً عنها.
المبحث الثاني - وظائف الفكاهة: لاشك ان الضحك والفكاهة والقاء الطرفة هو عمل مجتمعي تمارسه جميع المجتمعات وعلى مر الزمان وهو في هذه الحالة يؤدي مجموعة من الوظائف منها
تعزيز عضوية الفرد في الجماعة:  فالضحك يكون جماعياً، ونحن لا نضحك في عزلة، فالضحك بالعزلة او على شكل منفرد يؤشر الى خلل عقلي عند الشخص ويشار اليه بالجنون لأنّ الضحك يحتاج إلى صدى وإلى تجاوب، والمشتركون فيه يلتقون على حالة واحدة، فيسلكون معاً في التواصل والالتقاء، وهنا تميز الشعوب، والجماعات، والزمر، تبعاً للثقافة والعمر والمهنة والانتماء الطبقي والديني.
النقد الاجتماعي: الطرفة والفكاهة سلوك جماعة في مهاجمة أخرى، أو مهاجمة سلوك من سلوكيات الآخرين، كأن يسخر الكرماء من البخلاء، أو العكس.
تنفيس الضغط، أياً كان، فتصريف الطاقة المكبوتة، التي لو تراكمت لصارت ذات فاعلية سلبية. والضغوط متنوعة: سياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية, والتفكــــه في لــــون مــــن هــذه الألوان، لطرد الخوف والقلق، والانفعـــال السيئ، مع المرح والانبساط، فترتخي العضلات ، فالفكاهة تكاد تكون صمام أمان للتعبير عن الانفعالات، أو هي رياضة لطرح المشاعر العدوانية جانباً.
 رفض الاكراه والتقيد : وإزاء فرض الأعراف الاجتماعية على الفرد أو على الشعب، ينمو في الإنسان ميل واضح للخروج عليها، وكأنه يرفض الإكراه و التقييد، فالمجتمع يقول دائماً: عيب وممنوع، لا تفعل هذا، افعل ذاك، هذا حرام، هذا مكروه، وهذا الممنوع يثير في النفس رغبة ملحة في التمتع به، ألا يقول البعض: كل ممنوع مرغوب؟ فالنكتة أو الفكاهة على ألوانها متنفس عن كبت، أو حرمان، أو ألم.
المبحث الثالث -الطرفة في يوميات الرئيس الراحل جلال الطالباني : قبل الخوض في الطرفة والفكاهة في حياة الرئيس الراحل لا بد لنا ان نعرج وبشكل سريع وموجز بمسيرة حياته , ولد جلال بن الشيخ حسام الدين الشيخ نوري ابن الشيخ غفور الطالباني في قرية كلكان التابعة لقضاء كويسنجق في محافظة السليمانية عام 1933 خلافاً لما هو مذكور في شهادة الميلاد عام 1934 كما يؤكد هو ([1]), بعدها انتقل مع اسرته الى قضاء كويسنجق وهذا يعتبر اول اختلاف يشعر به الفتى بين العيش في المدينة عنها في القرية ودخل المدرسة هناك , كان معظم معلمي المدرسة من الكرد حفظ على ايديهم الشعر الكردي والاناشيد الحماسية التي تذكي روح القومية عند الاولاد حيث تميز الراحل عن اقران بذكاء متوقد منذ نعومة اظفاره وتصدى الى القاء القصائد في المدرسة الى ذلك اصبح شغوفاً بالسياسة ودخل معتركها رسمياً عام 1947, واصبح عضواً في تنظيمات البارتي اي الحزب الديمقراطي الكردي العراقي , وفي خريف عام 1952 ذهب الى بغداد و تم قبوله في كلية الحقوق , واستمر بالعمل السياسي حتى سقوط النظام السابق بعد الغزو الامريكي للعراق عام 2003, واصبح عضواً في مجلس الحكم الذي شكله الحاكم المدني للعراق بول برايمر في12/تموز عام 2003, وفي عام 2005 اصبح اول رئيس كردي لجمهورية العراق وتم اعادة انتخابه عام 2010 , وفي 3/ تشرين الاول من عام 2017 اعلن عن وفاة الرئيس جلال طالباني في احدى مستشفيات المانيا اثر نزف في الدماغ ألم به([2]).
يعد جلال الطالباني الرئيس الوحيد في الشرق الاوسط اذا لم يكن في دول العالم الثالث الذي يتمتع بروح الفكاهة والسخرية بل ربما نجد أنه رئيس الدولة الوحيد الذي يتمتع بمثل هذه الصفة وهذا ان دل على شيء فانه يدل على الثقة العالية بالنفس والسماحة والتحضر الذي استطاع باسلوب روحه المرحة وخفة دمه تغير المزاج العام بين ابناء الشعب الكردي من الشعور بالحساسية والامتعاض من التنكيت عليهم أخذوا الان يستمتعون بالتنكيت على انفسهم وسماع النكات العنصرية ضدهم، وقد تميز الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، على الرغم من ثقله السياسي وباعه الطويل في النضال من أجل حق الشعب الكردي،بخفة دمه، وحبه لروح الفكاهة.فلم يكن يخلو مؤتمر صحفي أو ندوة من نكات كان يطلقها الفقيد، يلطف الأجواء المشحونة ويبث من خلالها روح التفاؤل لدى الأطراف المتنازعة, تمتّع طالباني بحسّ عالٍ من الفكاهة، وكان دائم الاستعداد لثني مبادئه لإنجاح المفاوضات وتجنّب الحرب.
  كان الرئيس الراحل طالما يطل على شاشات التلفزيون يروي ما شاء من النكات التي تتعلق به شخصيا وهنا سنذكر مجموعة بسيطة من النكات التي القاها شخصيا لننهي بها بحثنا هذا :
   زار وزير الكرباء الرئيس جلال الطالباني ليطمأنه على مستقبل تجهيز الكهرباء في العراق فقال " لم يعد هناك ما نخشاه من عمليات التخريب الارهابي , سيصبح تجهيز القوة الكهربائية مضمونا, سأله الرئيس كيف ستحقق هذا المطلب الذي يحلم به الجمهور؟ أجاب سندفن اسلاك الكهرباء تحت الارض , علق الرئيس طالباني فوراً "آه المساكين العصافير وين يوكفون " ! هنا اكثر من علامة استفهام .
هل كان الرئيس يمزح فحسب ام ايمانه التام على عدم قدرة هذا الوزير على ما يزعم ؟ وهذ يؤشر الى سرعة بديهة وحسن اختيار اطلاق النكتة.
   في يوم خرج الرئيس يتمشى على سفح الجبل في منطقة قره جولان فصادف رجلاً منزوي جانباً يحتسي الخمر (العرق) وهو في حالة انتشاء ويغني, فسلم عليه وجلس بجانبه يسامره ويسأله عن احواله تبسط الرجل وقدم له كأساً من المشروب وراح الاثنان يشربان ويتحاوران حتى هم الرئيس على الانصراف , خطر بباله ان يسأله , قال هل تعرف منو اني ؟ أجابه لا, ما شايفني بالتلفزيون قال الرجل انا ما ابواع على التلفزيون, قال له ولا شايف صورتي بالجرايد , قال الرجل انا ما اقرء جرايد , فقال له انا جلال طالباني رئيس الجمهورية, ضحك الرجل طويلا وقال انت شرب جرعتين وقمت تشوف نفسك جلال الطالباني لو تشرب الكاس كله راح تشوف نفسك جورج بوش.
سؤل الرئيس جلال الطالباني: ما رأيك بعراقنا يقصد عراقنا الجديد ؟ فقال " والله اني افضل اسيا سيل "
وقال النكتة التالية وعلى وسائل الاعلام : " لا كصب لاحصران لا عدنا بردي فوك القهر والضيم ريسنا كردي " وهناك مئات النكات يطول ذكرها .

الخاتمة : لقد جسد الرئيس العراقي الراحل وحدة الشعب بشخصه كونه كردي المولد عراقي للافعال والتفاعل حمل بين جوانحه هم هذا الشعب حتى اصبح الملاذ الامن حين تستعر الخلافات بين السياسين إذ يستوعبها بقلبه الواسع ويفتتها ويخرج الجميع منه على رضا ووئام.
   طور الطالباني روح الفكاهة عندما مزجها بالسياسة والادارة , إذ اسس الى مبدء مهم وهو: ان من اولى متطلبات السياسي الناجح دقة الكلام وحسن الجواب لا بسوء الكلام وحمق الجواب مع اختيار المكان المناسب والزمان المناسب لاطلاق المزحة البنائة التي يجتمع عليها الناس ولا يضع نفسه في موضع السخرية والانتقاد كما فعلها رئيس عراقي اسبق عندما حاول ان يكون ظريفا , وهو لا يملك اي مقومات الموهبة او الثقافة التي تؤهله لهذا الدور وهكذا جاءت الكثير من القفشات السياسية الفاشلة مع استخدام الكلمات الفجة غير المترابطة كجمهوريتنا جمهورية اشتراكية وطنية اهلية خاكية .... لا جلالات ولا فخامات بل حرية وعدل ومساواة .. لا طبقات ولا ثلاجات ولا تلفزيونات...   




 

المزيد

Copyright © 2024 . PJT Foundation. All right reserved